فصل: فصل في إمالة {حتى}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {مِنَ الكِتَابِ} في محلّ الحال من نَصِيبُهُم أي: حال كونه مستقرًا من الكتاب و{مِنْ} لابتداء الغاية.
قوله: {حَتَّى} هنا غاية، و{إذَا} وما في حيزها تقدَّم الكلام عليها هل هي جارة، أو حرف ابتداء؟ وتقدَّم عبارة الزَّمخشريُّ.
واختلفوا فيها إذا كانت حرف ابتداء أيضًا.
فقال ابْنُ درستويه هي حينئذٍ جارَّة، وتتعلَّق بما قبلها تعلّق حروف الجرِّ من حيثُ المعنى لا مِنء حيثُ اللفظ، والجملة بعدها في محل جرٍّ.
وقال الجمهورُ: إذا كانت حرف ابتداء فَلَيْسَتْ جارّةً، بل حرف ابتداء فقط.
وإن كان مَعْنَاهَا الغاية كقول القائل في ذلك: [الطويل]
سَرَيْتُ بِهِمْ تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ** وحَتَّى الجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ

وقل الآخر في ذلك: [الطويل]
فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ** بِدِجلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أشْكَلُ

وقال صاحب التَّحْريرِ: {حتَّى} هنا ليست للغاية: بل هي ابتداء وخبر وهذا وَهْمٌ إذ الغايةُ معنى لا يفارقها.
وقوله بَلْ هي ابتداء وخبر تسامح في العبارة يريدُ بل الجملة بعدها ثُمَّ الجملة التي في هذا المكان ليست ابتداء وخبر، بل هي جملة فعليّة، وهي قالوا و{إذَا} معموله لها.
وممن ذهب إلى أنَّها ليست للغاية الواحديُّ فإنَّه حكى في معنى الآية الكريمة أقوالًا، ثم قال: فعلى هذا القَوْلِ معنى {حتَّى} للانتهاء والغاية وعلى القولين الأوَّلين ليست {حتى} في هذه الآية الكريمة للغاية بل هي التي يقع بعدها الجمل وينصرف الكلام بعدها إلى الابتداء كأما وإذا ولا تعلق لقوله: {حتّى إذا} بما قبله، بل هذا ابتداء خبر أخبر عنهم كقوله في ذلك: [الطويل]
فَيضا عَجَبًا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي ** كَأنَّ أبَاهَا نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشِعُ

وهذا غير مرضي منه لمخالفته الجُمْهُور.
وقوله لا تعَلُّقَ لها بما قبلها ممنوع على جميع الأقوال التي ذكرها.
والظَّاهِرُ أنِّما تتعلّق بقوله: {ينَالُهُمْ نصيبهم}.

.فصل في إمالة {حتى}:

قال الخليلُ وسيبويه: لا يجوزُ إمالة حتى وألاّ وأمَّا وهذه ألفات ألْزِمَتِ الفتح لأنَّها أواخر حروفٍ جاءت لمعاني يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو: حبلى وهُدَى إلا أن حتَّى كتبت بالياء لأنَّها على أربعة أحرف فأشبهت سَكْرَى، قال بعض النحويين: لا يجوز إمالة حتَّى لأنَّها حرف لا يتصرف والإمالة ضرب من التصرف.
قوله: {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} في محلّ نصب على الحال، وفي المراد بقوله: {رُسُلُنَا يَتَوفَّوْنَّهُمْ} قولان:
المراد بالرُّسل ملك الموت وبقوله: {يَتَوَفَّوْنَهُم} يقبضون أرواحهم؛ لأنَّ لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى.
قال ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ الملائكة يطالبون بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزّجر والتّوبيخ.
الثاني: قال الحسن والزَّجَّاجُ في أحد قوليه: إنّ هذا لا يكون في الآخر ومعنى قوله: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار بمعنى يستكملون عدتهم حتَّى لا ينفلت منهم أحد.
قوله: {أَيْنمَا كُنْتُمْ} أي أين الشّركاء الذين كنتم تَعْبدُونَهُمْ من دون اللَّهِ وكتبت {أينَمَا} متصلة وحقُّها الانفصال، لأنَّ ما موصولة لا صلة إذ التقدير: أين الذين تدعونهم ولذلك كتبت {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} [الأنعام: 134] منفصلًا و{إِنَّمَا الله} [النساء: 171] متصلًا.
قوله: {ضَلُّوا} جواب من حيث المعنى لا من حيث اللَّفْظ، وذلك أنَّ السُّؤال إنَّما وقع عن مكان الذين كانوا يدعونهم من دون اللَّه، فلو جاء الجوابُ على نسق السُّؤال لقيل: هم في المكان الفلانيّ، وإنَّما المعنى: ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونهم، فأجَابُوا بأنَّهُمْ ضلُّوا عنهم وغابوا.
قوله: {وشَهِدُوا} يحتمل أن يكون نَسَقًا على {قالوا} الذي وقع جوابًا لسؤال الرسل، فيكون داخلًا في الجواب أيضًا.
ويحتمل أن يكون مستأنفًا منقطعًا عما قَبْلَهُ ليس داخلًا في حيَّز الجواب كذا قال أبو حيَّان وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّهُ جعل هذه الجملة جوابًا لعطفها على {قَالُوا}، و{قالوا} في الحقيقة ليس هو الجواب، إنَّما الجوابُ هو مقولُ هذا القول، وهو {ضَلُّوا عَنا} ف {ضلُّوا عنَّا} هو الجواب الحقيقي الذي يُسْتَفَادُ منه الكلام.
ونظيره أن يقول: سألت زَيْدًا ما فعل؟ فقال: أطعمتُ وكسوتُ فنفسُ أطعمتُ، وكسوتُ هو الجواب.
وإذا تقرَّرَ هذا فكان ينبغي أن يقول: فيكون معطوفًا على {ضَلُّوا عنَّا}، ثمَّ لو قال كذلك لكان مُشْكلًا من جهة أخرى، وهو أنَّهُ كان يكون التركيب الكلامي: ضلُّوا عَنَّا وشهدنا على أنفسنا أنَّا كنَّا، إلا أن يقال: حكى الجواب الثَّاني على المعنى، فهو محتمل على بُعْد بعيدٍ.
ومعنى الآية أنَّهُم اعترفوا عند معاينة الموت أنَّهُم كانوا كافرين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ}
يصيبهم من الكتاب ما سبق لهم به الحكم، فمن جرى بسعادته الحكمُ وقع عليه رقم السعادة، ومن سبق بشقاوته الحكمُ حُقَّ عليه عَلَمُ الشقاوة.
ويقال من سبقت له قسمة السعادة فلو وقع في قَعْرِ اللَّظَى تداركتْه العنايةُ وأخرجتْه الرحمةُ، ومَنْ سَبَقَتْ له قسمةُ الشقاوةِ.. فلو نزل الفراديس تداركته السخطة وأخرجته اللعنة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (38):

قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان كأنه قيل: لقد اعترفوا، والاعتراف- كما قيل- إنصاف، فهل ينفعهم؟ قيل: هيهات! فات محله بفوات دار العمل لا جرم! {قال} أي الذي جعل الله إليه أمرهم {ادخلوا} كائنين {في أمم} أي في جملة جماعات وفرق أم بعضها بعضًا؛ ثم وصفهم دالًا بتاء التأنيث على ضعف عقولهم فقال: {قد خلت} ولما كان في الزمن الماضي من آمن، أدخل الجار فقال: {من قبلكم} ولما كان الجن الأصل في الإغواء قدمهم فقال: {من الجن والإنس} ثم ذكر محل الدخول فقال: {في النار}.
ولما جرت عادة الرفاق بأنهم يتكالمون وحين الاجتماع يتسالمون تشوف السامع إلى حالهم في ذلك فقال مجيبًا له: {كلما دخلت أمة} أي منهم في النار {لعنت أختها} أي القريبة منها في الدين والملة التي قضيت آثارها واتبعت منارها، يلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى- وهكذا، واستمر ذلك منهم {حتى إذا اداركوا} أي تداركوا وتلاحقوا، يركب بعضهم بعضًا- بما يشير إليه الإدغام {فيها جميعًا} لم يبق منهم أمة ولا واحد من أمة {قالت أخراهم} أي في الزمن والمنزلة، وهم الأتباع والسفل {لأولاهم} أي لأجلهم مخاطبين لله خطاب المخلصين {ربنا} أي الذي ما قطع إحسانه في الدنيا عنا على ما كان منا من مقابلة إحسانه بالإساءة {هؤلاء} أي الأولون {أضلونا} أي لكونهم أول من سن الضلال {فآتهم} أي أذقهم بسبب ذلك {عذابًا ضعفًا} أي يكون بقدر عذاب غيرهم مرتين لأنهم ضلوا وأضلوا لأنهم سنوا الضلال، «ومن سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» ومنه: «لا تقتل نفس ظلمًا إلا على ابن آدم الأول كفل من دمها» لأنه أول من سن القتل، ثم أكدوا شدة العذاب بقولهم: {من النار}.
ولما كان كأنه قيل: لقد قالوا ما له وجه، فبم أجيبوا؟ قيل: {قال} أي جوابًا لهم {لكل} أي من السابق واللاحق والمتبوع والتابع {ضعف} وإن لم يكن الضعفاء متساويين لأن المتبوع وإن كان سببًا لضلال التابع فالتابع أيضًا كان سببًا لتمادي المتبوع في ضلاله وشدة شكيمته فيه بتقويته بالاتباع وتأييده بالمناضله عنه والدفاع؛ ولما كانوا جاهلين باستحقاقهم الضعف لسبب هذه الدقيقة قال: {ولكن لا تعلمون} أي بذلك. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية من بقية شرح أحوال الكفار وهو أنه تعالى يدخلهم النار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {قَالَ ادخلوا} ففيه قولان:
الأول: إن الله تعالى يقول ذلك.
والثاني: قال مقاتل: هو من كلام خازن النار، وهذا الاختلاف بناء على أنه تعالى هل يتكلم مع الكفار أم لا؟ وقد ذكرنا هذه المسألة بالاستقصاء.
أما قوله تعالى: {ادخلوا في أُمَمٍ} ففيه وجهان:
الوجه الأول: التقدير: ادخلوا في النار مع أمم، وعلى هذا القول ففي الآية إضمار ومجاز أما الإضمار فلأنا أضمرنا فيها قولنا: في النار.
وأما المجاز، فلأنا حملنا كلمة {في} على مع لأنا قلنا معنى قوله: {فِى أُمَمٍ} أي مع أمم.
والوجه الثاني: أن لا يلتزم الإضمار ولا يلتزم المجاز، والتقدير: ادخلوا في أمم في النار، ومعنى الدخول في الأمم، الدخول فيما بينهم وقوله: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مّن الجن والإنس} أي تقدم زمانهم زمانكم، وهذا يشعر بأنه تعالى لا يدخل الكفار بأجمعهم في النار دفعة واحدة، بل يدخل الفوج بعد الفوج، فيكون فيهم سابق ومسبوق، ليصح هذا القول، ويشاهد الداخل من الأمة في النار من سبقها وقوله: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} والمقصود أن أهل النار يلعن بعضهم بعضًا فيتبرأ بعضهم من بعض، كما قال تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] والمراد بقوله: {أُخْتَهَا} أي في الدين، والمعنى: أن المشركين يلعنون المشركين، وكذلك اليهود، تلعن اليهود، والنصارى النصارى، وكذا القول في المجوس، والصابئة وسائر أديان الضلالة.